للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البدر العيني: والذي ينبغي أن يقال: إن الذين قالوا: ما شأنه أهجر، أو هجر بالهمزة وبدونها هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام، ولم يكونوا عالمين بأن هذا القول لا يليق أن يقال في حقه لأنهم ظنوا أنه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية إذا اشتد الوجع على واحد منهم تكلم من غير تحرٍ في كلامه ولهذا قالوا: استفهموه. لأنهم لم يفهموا مراده ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتى أنكر عليهم النبي بقوله: "ولا ينبغي عند نبي التنازع"، وفي الرواية الماضية "ولا ينبغي عندي تنازع"، ومن جملة تنازعهم ردهم عليه وهو معنى قوله: فذهبوا يردون عليه (١)، ويروى "يردون عنه" أي عما قاله. فلهذا قال: "دعوني" أي اتركوني، والذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله عز وجل، فإنه أفضل من الذي تدعونني إليه من ترك الكتابة، ولهذا قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب (٢).

الوجه الثامن: العلة من قول الصحابة - رضي الله عنه - ما شأنُه؟ أهَجَرَ؟

ذكر أهل العلم في العلة من قول الصحابة - رضي الله عنهم - ما شأنُه؟ أهَجَرَ؟ أمورًا منها:

١ - قالوا ذلك على سبيل الاستفهام الاستنكاري.

قالوا: ما شأنُه؟ أهَجَرَ؟ أي اخْتَلَف كلامُه بسبب المرضِ على سبيل الاستفهام. أي هل تَغَيَّر كلامُه واخْتَلَط لأجل ما به من المرض؟ وهذا أحْسَنُ ما يقال فيه ولا يُجْعل إخبارًا فيكون إمَّا من الفُحْش أو الهَذَيان. . (٣)


(١) صحيح البخاري (٤٠٧٨).
(٢) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (١٨/ ٦٢).
(٣) النهاية في غريب الأثر (٥/ ٥٥٧). أما ما أخرجه البخاري (٣٠٥٣)، ومسلم (١٦٣٧)، وأحمد (١/ ٣٥٥)، وفيها أنهم قالوا (هجر رسول الله) أو (أن رسول الله يهجر) أي بدون همزة الاستفهام، ونحن لا ننكر صحة هذه الرواية من جهة المسند لكن تلك التي قدمناها التي فيها الاستفهام هي الأصح وهي الثابتة كما حققه الحافظ في الفتح (٨/ ١٦٨)، وهو ما قرره غير واحد من الأئمة الأعلام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ الذهبي، وابن كثير، والقرطبي، والقاضي عياض وغيرهم، ومما يؤيد الاستفهام -كما قال الحافظ- أن جاء في تلك الرواية التي قدمناها قولهم (استفهموه) بصيغة الأمر بالاستفهام. وأيضًا فإن رواية الاستفهام فيها زيادة وهي صحيحة فتعين الأخذ بها. ثم إن البخاري قد روى هذا الحديث في سبعة مواضع =

<<  <  ج: ص:  >  >>