للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا لا يصح ظاهر رواية من روى في الحديث (هجر) إذ معناه هذى يقال: هجر هجرًا إذا هذى، وأهجر هجرًا إذا أفحش، وأهجر تعدية هجر، وإنما الأصح والأولى (أهجر)؟ على طريق الإنكار على من قال: لا يكتب، هكذا روايتنا فيه في صحيح البخاري من رواية جميع الرواة في حديث الزهري المتقدم، وفي حديث محمد بن سلام عن ابن عيينة وكذا ضبطه الأصيلي بخطه في كتابه وغيره من هذه الطرق، وكذا رويناه عن مسلم في حديث سفيان وعن غيره وقد تحمل عليه رواية من رواه (هجر) على حذف ألف الاستفهام والتقدير: أهجر؟ . (١)

٢ - أو هجر بمعنى دهشة من قائل ذلك وحيرة لعظيم ما شاهد. أو أن يُحمل قولُ القائل:

(هجر)، أو (أهجر) دهشةً من قائل ذلك، وحيرةً لعظيم ما شاهد من حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشدة وجعه والمقام الذي اختلف فيه عليه والأمر الذي هم بالكتاب فيه حتى لم يضبط هذا القائل لفظه، وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع لا أنه اعتقد أنه يجوز عليه الهجر كما حملهم الإشفاق على حراسته والله يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ونحو هذا. (٢)

قال الإمام الملا على القاري: اعلم أن قوله (هجر) الراجح فيه إثبات الهمزة الاستفهامية وبفتحات على أنه فعل ماض والمراد به هنا ما يقع من كلام المريض مما لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك منه مستحيل؛ لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤] ولقوله: "إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقًّا"، وإذا عرَفت ذلك فإنما قال من قال منكرًا على من


= من صحيحه، أربعة منها فيها قول عمر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلب عليه الوجع)، واثنان منها فيها الاستفهام، ولم ترد بدون الاستفهام إلا في موضع واحد، وكذلك عند مسلم وأحمد، مما يدلل أن رواية الاستفهام أصح وأكثر طرقًا. وإذا ثبت الاستفهام فمعناه هو ما قدمناه في الوجه الأول، الذي به تنقطع كل حجج ولله الحمد. الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات (٢/ ٢٥٥).
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفي (٢/ ١٩٣)، والمفهم (٤/ ٥٥٩).
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفي (٢/ ١٩٣)، والمفهم (٤/ ٥٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>