للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله -صلى الله عليه وسلم- وإِما قال: تَشْتَهين تنظرين؟ قلتُ: نعم، فأقامني وراءه، خَدِّي على خَدِّه، وهو يقول: دُونكم يا بني أَرْفِدةَ، حتى إِذا مَلِلْتُ قال: حَسْبُكِ؟ قلتُ: نعم، قال: فاذهبي. (١)

[الوجه الثاني: بيان كذب من ادعي أن الجاريتين ترقصان لرسول الإسلام-صلى الله عليه وسلم -.]

لا يوجد ذلك في شيء من متون الحديث.

الوجه الثالث: صفة الجاريتين، وبما تغنيان.

فعند البخاري: جاريتان من جواري الأَنصار تُغَنِّيان بما تَقَاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعَاث، قالت: ولَيْسَتا بمُغَنّيَتَين. (٢) "وعند مسلم بلفظ "تلعبان بدف" (٣).

قال أحمد: المراد بالدف هنا دف العرب؛ وهو مدور على شكل الغربال خلا أنه لا خروق في جلده، ولا جلاجل فيه، وأما دف الملاهي فهو مدور جلده من رِق أبيض ناعم فيه جلاجل يسمى بالطار له صوت يطرب لحلاوة نغمته، وقال: (ولَيْسَتا بمُغَنّيَتَين) يعني لم تتخذا الغناء صناعة وعادة، ولم يكن معهما مزمور غير أصواتهما (٤).

وقال أبو الحسن السندي: قوله: (جاريتان) الجارية في النساء كالغلام في الرجال يقعان على من دون البلوغ فيهما. (٥)

وقال الإمام النووي: هَذَا الْغِنَاء إِنَّمَا كَانَ فِي الشَّجَاعَة، وَالْقَتْل، وَالحذْق فِي الْقِتَال وَنَحْو ذَلِكَ، مِمَّا لَا مَفْسَدَة فِيهِ، بِخِلَافِ الْغِنَاء المشْتَمِل عَلَى مَا يَهِيج النُّفُوس عَلَى الشَّرّ، وَيَحْمِلهَا عَلَى الْبَطَالَة وَالْقَبِيح. قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا كَانَ غِنَاؤُهُمَا بِما هُوَ مِنْ أَشْعَار الحرْب، وَالمُفَاخَرَة بِالشَّجَاعَةِ، وَالظُّهُور وَالْغَلَبَة، وَهَذَا لَا يُهَيِّج الجوَارِي عَلَى شَرٍّ، وَلَا إِنْشَادهمَا لِذَلِكَ مِنْ الْغِنَاء المخْتَلِف فِيهِ، وإِنَّمَا هُوَ رَفْع الصَّوْت بِالْإِنْشَادِ، وَلهذَا قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنّيَتَيْنِ؛ أَيْ


(١) البخاري (٢٩٠٦، ٢٩٠٧)، ومسلم (٨٩٢).
(٢) البخاري (٩٤٩).
(٣) مسلم (٩٨٢).
(٤) الفتح الرباني ٦/ ١٦٢.
(٥) حاشية السندي علي سنن النسائي (٣/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>