للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: فكان أهل العقول كلهم في مقته إلا بقايا متمسكين بالوحي فلم يستفيدوا بعقولهم حين فقدوا نور الوحي إلا عبادة الأوثان، أو الصلبان، أو النيران، أو الكواكب والشمس والقمر، أو الحيرة والشك، أو السحر، أو تعطيل الصانع والكفر به، فاستفادوا بها مقت الرب سبحانه لهم وإعراضه عنهم فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجًا منيرًا، وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم (١).

[الوجه الثامن عشر: لو كانت روايتى لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ببحيرى صحيحة لما خاف محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم ظهر له جبريل.]

فنتساءل: إن كان بحيرى الراهب قد قال لمحمد ومن معه أنه سيكون رسول الله، فلماذا تشكك واضطرب محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم ظهر له جبريل وخاف على نفسه؟ .

فقد قال - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي لخديجة: "أي خَدِيجَةُ مَا لي، لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نفسي" فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَالله لَا يُخْزِيكَ الله أبَدًا (٢).

[الوجه التاسع عشر: لو ثبت لقاء بحيرى للنبي - صلى الله عليه وسلم - لكان أرجى في قبول أبي طالب الإسلام.]

قال ابن حجر: ذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب - أي شعره في مدح محمد - صلى الله عليه وسلم - هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرى أو غيره من شأنه، وفيه نظر لما تقدم عن ابن إسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث، ومعرفةُ أبي طالب بنبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءت في كثير من الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلمًا، ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءًا جمع فيه شعر أبي طالب، وزعم في أوله أنه كان مسلمًا، وأنه مات على الإسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر، وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والرد عليهم واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه (٣).


(١) الصواعق المرسلة ٣/ ١٠٦٨.
(٢) البخاري (٤٩٥٣)، ومسلم (٤٢٢).
(٣) فتح الباري ٢/ ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>