للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَوْلَهُ: "حَتَّى لَا يَسْمَعَ" ظَاهِرٌ فِي أنَّهُ يَبْعُدُ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَفِي فِيهَا سَمَاعُهُ لِلصَّوْتِ، وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ الْغَايَة فِي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث جَابِر - رضي الله عنه - فَقَالَ: "حَتَّى يَكُون مَكَانَ الرَّوْحَاء وَبَيْن المَدِينَة وَالرَّوْحَاء سِتَّةً وَثَلَاثِينَ مِيلًا". (١)

٥ - وإنما كان الشيطان ينفر منه؛ لأنه جامع لعقيدة الإيمان، مشتمل على نوعيه العقليات والسمعيات؛ لأنه ابتدأ أولا بالذات وما يستحقه من الكمال بقوله الله أكبر.

ثم أثبت الوحدانية، ونفى ضدها من الشرك، ثم أثبت الرسالة، ثم دعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات الرسالة، إذ معرفة وجوبها من جهته لا من جهة العقل، ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم الدائم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من بعث وجزاء. وذلك كله متضمن لتأكيد الإيمان، ومزيد الإيقان، فلذلك نفر منه الشيطان.

٦ - (حتى) أي: كي (لا يسمع صوته) أي: صوت المؤذن بالتأذين لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام، قال أبو زرعة: والظاهر أن هربه إنما يكون من أذان شرعي مستجمع للشروط، واقع بمحله، أريد به الإعلام بالصلاة فلا أثر لمجرد صورته. (٢)

[الوجه الثالث: العلة من هروب الشيطان من الأذان دون غيره من الطاعات.]

١ - إنما يهرب من الأذان حتى لا يشهد بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة؛ لأنه جاء في الحديث "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" (٣) والشيطان أيضا شيء أو هو داخل في الجن لأنه من الجن. فإن قلت إنه يُدْبر لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه وقيل ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد؛ فإن قلت كيف يهرب من الأذان ويدنو من الصلاة وفيها القران ومناجاة الحق؟ قلت هروبه من الآذان ليأسه من الوسوسة كما ذكرناه


(١) فتح الباري ٢/ ١٠٢.
(٢) فيض القدير ١/ ٣١٩.
(٣) البخاري (٦٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>