للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وندب إلى مرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، يجزيه أجرًا عظيمًا وثوابًا كثيرًا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه؛ ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته؛ فإنَّه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.

وفي جَعْلِ أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.

وحرم مرتبة الظلم: فقد ذكرها بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الذين يجنون على غيرهم ابتداءً، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته؛ فالزيادة ظلم. (١)

قال ابن كثير: قوله تبارك وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وكقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}. فَشَرَعَ العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو كقوله - عز وجل -: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}، ولهذا قال ههنا: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أي: لا يضيع ذلك عند الله كما صح ذلك في الحديث "وما زاد الله تعالى عبدًا بعفو إلا عزًّا" وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أي: المعتدين وهو المبتدئ بالسيئة. (٢)

[الوجه السادس: القصاص في الكتاب المقدس.]

في سفر (اللاويين ٣٥/ ٢١: ١٦): إِنْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ حَدِيدٍ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ. ١٧ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرِ يَدٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ. ١٨ أَوْ ضَرَبَهُ بِأَدَاةِ يَدٍ مِنْ خَشَبٍ مِمَّا يُقْتَلُ بِهِ، فَهُوَ قَاتِلٌ. إِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ. ١٩ وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ. حِينَ


(١) تفسير السعدي (١/ ٧٦٠).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>