للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غلب عليه الوجع، وما قارنه من القرائن الدالة على ذلك على نحو ما يعهدونه من أصوله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ الشريعة وأنه يجري مجرى غيره من طرق التبليغ المعتادة منه - صلى الله عليه وسلم - فظهر ذلك لعمر دون غيره فخالفوه. (١)

قال القرطبي وغيره: ائتوني أمرٌ وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال لكن ظهر لعمر - رضي الله عنه - مع طائفةٍ أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قولَه تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] وقوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩]، ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله، وظهر لطائفةٍ أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار (٢).

قال القرطبي: وسبب ذلك أن ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوغ، والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب، أو أحدهما مصيب، والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول (٣).

قال الحافظ ابن حجر: ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ولهذا عاش - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم، لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا (٤).

[الوجه الثاني: قصدوا التخفيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.]

قال الإمام البيهقي: إنما قصد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بما قال التخفيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه، قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب لهم شيئًا مفروضًا، لا يستغنون عنه لم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول الله عز وجل: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}


(١) شرح النووي على مسلم (١١/ ٩٢).
(٢) فتح الباري (١/ ٢٥٢).
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٤/ ٥٥٩).
(٤) فتح الباري (١/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>