للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَقَالَ: "نَعَمْ ذَاكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الَّذِي صَنَعْتُ، قَالَ فَأَخَذَ يُوَاصِلُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَذَاكَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَأَخَذَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثلي أَمَا وَالله لَوْ تَمَادَّ لِي الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ". (١) فهذا من تيسيره - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأمة.

[الوجه الخامس: الحديث فيه دليل على أن الأمر بالوضوء، مما مست النار منسوخ.]

ففي الحديث الأول أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من السويق، والسويق هو دقيق الشعير أو السلت المقلى. (٢)

فإن قيل: أنَّ الأمر جاء في السنة بالوضوء مما مست النار فنذكر أقوال العلماء التي تبين أن هذا الأمر قد نسخ:

قال النووي: ذكر مسلم - رحمه الله تعالى - في هذا الباب الأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار، ثم عقبها بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مست النار؛ فكأنه يشير إلى أن الوضوء منسوخ، وهذه عادة مسلم وغيره من أئمة الحديث، يذكرون الأحاديث التي يرونها منسوخة ثم يعقبونها بالناسخ. وقد اختلف العلماء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "توضئوا مما مست النار"، فذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار، ممن ذهب إليه: أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن سمرة، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وعائشة - رضي الله عنهم -، وهؤلاء كلهم صحابة، وذهب إليه جماهير التابعين وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبي ثور، وأبي خيثمة - رحمهم الله - وذهب طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي - وضوء الصلاة بأكل ما مسته النار - وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز،


(١) مسلم (١١٠٤).
(٢) فتح الباري ١/ ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>