١ - لما جاء الإسلام عمل على سَدِّ منابع الرقِّ هذه، وجعل الرقَّ مقصورًا على الحرب المشروعة. ثم فتح عدة مصارف شرعية للتخلُّص من الرق القائم، حيث لم يكُنْ موجودًا من أبواب العتق إلا إرادة السيد في أنْ يعتق عبده.
ومع كثرة واتساع هذه الروافد التي تمد نهر الرقيق في كل وقت بالمزيد، والمزيد من الأرقاء، كانت أبواب العتق والحرية إما مؤصدة تمامًا، أو ضيقة عسيرة على الولوج منها.
وأمام هذا الواقع، اتخذ الإسلام، إبان ظهوره، طريق الإصلاح الذي يبتغي تحرير الأرقاء، وإلغاء نظام العبودية، وطيّ صفحته من الوجود، لكن في "واقعية ثورية" إذا جاز التعبير. . فهو لم يتجاهل الواقع ولم يقفز عليه. . وأيضًا لم يعترف به على النحو الذي يبقيه ويكرسه.
لقد بدأ الإسلام فأغلق وألغى وحرّم أغلب الروافد التي كانت تمد نهر الرقيق بالمزيد من الأرقاء. . فلم يبق منها إلا أسرى الحرب المشروعة والشرعية، والنسل إذا كان أبواه من الأرقاء. . وحتى أسرى الحرب المشروعة فتح الإسلام أمامهم باب العتق والحرية المنّ أو الفداء:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}(محمد: ٤)، فعندما تضع الحرب أوزارها، يتم تحرير الأسرى، إما بالمن عليهم بالحرية، وإما بمبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى الأعداء. .
ومع إغلاق الروافد روافد الاسترقاق ومصادره التفت الإسلام إلى كتلة واقع الأرقاء، فسعى إلى تصفيتها بالتحرير، وذلك عندما عدد، ووسع مصابّ نهر الرقيق (١).
إذ جعل الناس كلهم أحرارًا لا يطرأ عليهم الرق إلا بسبب واحد: (وهو أن يؤسروا وهم كفار مقاتلون مع أن الواجب على القائد أن يختار الأصلح من الرق، أو الفداء، أو الإطلاق بلا فداء، حسب المصلحة العامة.