للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممن شهد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ضماد الأزدي كما في صحيح مسلم عن ابن عباس: (أَنَّ ضمادًا قدم مكة وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون. فقال لو أنى رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلقيه، فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفى على يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أما بعد". قال: فقال: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، قال: فقال لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر. قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. (١)

يقول الأستاذ محمود محمد شاكر: كلمات قلائل تذوقها ضماد - رضي الله عنه -، ولم يصبر حتى يتلى عليه بعض ما نزل من القرآن يومئذ بمكة وقطع الحديث ليستعيد ما سمع، ونحن اليوم نسمعها من كل منبر في كل يوم جمعة ونحن في غفلة عن تذوقها تذوق ضماد. كانت هذه الكلمات التي سمعها ضماد يومئذ هي وحدها دليله على نبوة صديقه الذي كان يعرفه ويعرف كلامه بالأمس في الجاهلية؛ لأنه وصل بتذوقها إلي صميم الفرق بين كلام صاحبه بالأمس وكلامه في هذا اليوم، وأسرعت به إلى البيعة على الإسلام قبل أن يسمع كلام الله! فأي دقة في التذوق! ! وأي رجال كان هؤلاء الذين فوض إليهم التفريق بين كلام رب العالمين وكلام عبيده من البشر؟ ! . (٢)

الوجه الرابع: اتخاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - شعراء يردون على أعدائه دليل أنه لم يكن شاعرًا.

وقد كان المقتضى أن يقوم هو بالرد على الأعداء؛ فيكون ذلك أبلغ في النكاية بالقوم، وحتى لا يقولوا عجز عن الرد، فاستعان بهؤلاء النفر من أصحابه، ولكن كما سبق ما له وللشعر - صلى الله عليه وسلم - وكان على الشعر العبء الأكبر في تأجيج نار الخصومة والمجاهرة بها، فقام الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الدور.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢٠٤٥)، وأحمد ١/ ٣٠٢.
(٢) قضية الشعر الجاهلي صـ ٦٢، ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>