للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه ذلك، وهي قبل انقضاء وطره منها، قيد ذلك بقوله: {إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} أي: لا بد من فعله، ولا عائق له ولا مانع.

ويتلخص مما تقدم: أن زواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزينب الأسدية كان لغرض تشريعي، وغاية اجتماعية ألا وهي إبطال عادة التبنّي.

[الوجه الثامن: بيان المعنى الصحيح لمتعلق الخشية، وما الذي أخفاه النبي - صلى الله عليه وسلم -.]

وليس معنى الخشية هنا الخوف وإنما معناه الاستحياء أي يستحيى منهم أن يقولوا: تزوج زوجة ابنه، وأن خشيته - صلى الله عليه وسلم - من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود وتشغيبهم على المسلمين بقولهم: تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء كما كان؛ فعتبه الله على هذا، ونزهه عن الالتفات إليهم فيما أحله له. (١)

عن علي بن زيد بن جُدْعان قال: سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} فذكرت له فقال: لا ولكن الله أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال: "اتق الله، وأمسك عليك زوجك". فقال: قد أخبرتك أني مُزَوّجكها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه.

وقد أخرج بن أبي حاتم هذه القصة من طويق السدي فساقها سياقًا واضحًا حسنًا، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجها إياه، ثم أعلم الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعد أنها من أزواجه؛ فكان يستحي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه وكان قد تبنى زيدًا (٢).


(١) الشفا (٢/ ١٩٠).
(٢) فتح الباري (٨/ ٥٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>