للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظاهر من خلال المطالب الآتية: (١)

[المطلب الأول: إطعام الأسرى]

قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)} [الإنسان: ٨] في هذه الآية الكريمة يحث الله تعالى عباده المؤمنين على الإحسان إلى أسراهم وإطعامهم، ويعِدُهم بذلك النعيمَ في الآخرة.

قال ابن عباس - رضي الله عنه -: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم بدر أن يُكرموا الأُسَارى، فكانوا يُقَدِّمُونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وقتادة (٢).

ففيه دليل على أن إطعام الأسارى وإن كانوا من أهل الشرك حسن ويرجى ثوابه (٣).

ويعلق ابن جريج على نفس الآية فيقول: لم يكن الأسير على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من المشركين.

قال أبو عبيد: فأرى أن الله قد أثنى على من أحسن إلى أسير المشركين، ولم يكن الصحابة - رضي الله عنهم - يقدمون للأسرى ما بقي من طعامهم بل كانوا ينتقون لهم أجود ما لديهم من طعام، ويجعلونهم يأكلونه عملًا بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم، وها هو أبو عزيز (٤) - شقيق مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يحكي ما حدث يقول: كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خَصَّوْني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها؛ فأستحي فأردّها فيردّها عَلَيَّ ما يمسّها! قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، أي أنّه لم يكن شخصية عادية، بل كان من أشدّ المشركين على المسلمين، فلا يحمل اللواء إلا شجعان القوم وسادتهم، ولكن هذا لم يغير من الأمر شيئًا، لأن


(١) مقال بعنوان تعامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الأسرى في حال الاحتفاظ بهم د/ راغب السرجاني مع شيء من التصرف.
(٢) تفسير ابن كثير (٨/ ٢٨٨).
(٣) تفسير الألوسي ٢٢/ ٧.
(٤) أخرجه الطبراني في الكبير (٩٧٧)، وقال الهيثمي في المجمع ٦/ ١١٥: إسناده حسن من حديث أبي عزيز بن عمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>