للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى عليه السلام، ولا عين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام؛ لانقطاع أسانيدها، واحتوائها على كثير من التحريف، والتبديل، والأغاليط، والاختلاف فيها، واختلاف أهلها عليها، واضطرابهم فيها، وأن ما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما عداه فهو محرف مبدل، فهي دائرة بين النسخ والتحريف.

ولهذا فليست بكليتها وحيًا، وإنما هي كتب مؤلفة من متأخريهم بمثابة التواريخ، والمواعظ لهم، وحاشا لله، أن يكون ما بأيدي اليهود من التوراة هو عين التوراة المنزلة على نبي الله موسى عليه السلام وأن يكون ما بأيدي النصارى من الأناجيل هو عين الإنجيل المنزل على نبي الله عيسى عليه السلام.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غَضِبَ حينما رأى مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صحيفة فيها شيء من التوراة وقال - صلى الله عليه وسلم - "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي". (١)

واستقر هذا المعنى في نفوس الصحابة والمؤمنين بعدهم، يقول ابن عباس - رضي الله عنه -: (قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدث تقرؤونه محضًا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أنزل عليكم) (٢).

[التوراة والإنجيل فيهما من بقايا الوحي]

ولا يمنع هذا من صحة بعض مواضع في التوراة، لما فيها من آثار الأنبياء، ففي التوراة حق وباطل كما أخبر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومن النصوص التي أشارت إلى وجود شيء من الحق في كتبهم ألبسوه بالباطل والزور قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ


(١) رواه أحمد (٣/ ٣٨٧) وغيره، وقال الألباني في الإرواء (٦/ ٣٤): حسن.
(٢) رواه البخاري (٧٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>