وقد ذكر القرآن الكريم أن الله وكل إلى أهل الكتاب حفظ كتابهم، فقال تعالى {بَمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}(المائدة: ٤٤) لكن هل كان بنو إسرائيل أمناء على الأمانة التي وضعها الله في أعناقهم؟
القرآن يخبرنا أن اليهود قد امتدت أيديهم إلى الكتاب تتلاعب بمضامينه ومعانيه، فذكر أنهم {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}(المائدة: ١٣).
كما أخبرنا الله تعالى أنهم كتموا بعضا مما أنزل الله عليهم، وأن الله بعث نبيه ومعه بيان كثير مما أخفوه، ناهيك عما تجاوزه، فلم يظهره {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[المائدة: ١٥]، ثم كانت إحدى أكبر مساوئهم أنهم كانوا يكتبون كتبًا من عندهم، ثم ينسبونها إلى الله عز وجل {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)} [البقرة: ٧٩]، وقال:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ٧٨].
ووضح النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعتقد حين قال:(إن بني إسرائيل كتبوا كتابًا، فاتبعوه، وتركوا التوراة)(١).
وعليه، فإن ما في أيدي اليهود، والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة، والأسفار، والإصحاحات، التي بلغت العشرات، ليست هي عين التوراة المنزلة على
(١) رواه الدارمي (٤٨٠)، والطبراني في الأوسط (٥٥٤٨)، وصححه الألباني في الصحيحة (٢٨٣٢).