للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوع أبلغ من هذا؛ فلا يجب أن يكون سجودها بغير خضوع منها وطاعة؛ ولكن هذا البيت يقتضي أنه لا يجب أن يكون سجود كل شيء وضع رأسه بالأرض، وهذا حق بل هو خضوع للرب يناسب حاله؛ وقد قيل لسهل بن عبد الله أيسجد القلب؟ قال: نعم، سجدة لا يرفع رأسه منها أبدًا، وأهل الجنة في الجنة قد أُلهموا التسبيح كما أُلهموا النفس في الدنيا، وكما يُلهم أهل الدنيا النفس وهم خاضعون للرب، مطيعون له، وليس هناك سجود بوضع رأس في الأرض، فهذا أمر به في الدنيا لحاجة النفس إليه في خضوعها لله تعالى؛ فلا تكون خاضعة إلا به بخلاف حالها في الجنة؛ فإنها قد زكت وصلحت (١).

الوجه الثالث: قدرة الله عزَّ وجل فوق كل شيء.

١ - قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: ١٨].

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٤٨ - ٥٠].

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عظمته وكبريائه الذي خضع له كل شيء، ودانت له الأشياء بأسرها، جماداتها، وحيواناتها، ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة؛ فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال، أي: بكرة وعشيا، فإنه ساجد بظله لله تعالى (٢).

لاحظ قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ .. } أي أنهم يسجدون سجودًا حقيقيًا نحن نراه، ويستشهدنا الخالق العظيم عليه .. كيف؟ الجواب: إنه سجودٌ نؤمن به، ولا يعلم حقيقته


(١) رسالة في قنوت الأشياء لابن تيمية (٣٩ - ٤٥).
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٥٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>