للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا الله الذي أعلَمَنا به؛ فليَسع الحديثَ ودلالتَه ما يسع هذه الآيةَ الجليلة. ومَن لم يستطع قبولَ الحديثِ؛ فليفسّر لنا ماهية سجود الشمس والشجر والجبال الوارد في الآية.

ولن يسعفه في الحالتين سوى التسليمُ والإيمان، فقد دل القرآن على مثل ما دل عليه حديث أبي ذر من سجود الشمس؛ وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} كما دلت الآية على أن سجود هذه المخلوقات غير دلالتها بلسان الحال وصورة الحال على ربوبيته تعالى؛ إذ لو كان سجودها هو دلالتها على الخالق سبحانه، أو تسخيرها وانقيادها للقدرة؛ لما خص ذلك بكثير من الناس ونفاه عن كثير - وهم الذين حق عليهم العذاب - فإن الدلالة على الخالق سبحانه والانقياد لقدرته حاصلتان في جميع الناس وجميع المخلوقات؛ فالواجب إثبات سجود الشمس وما ذُكر معها في الآية، وأنه سجود حقيقي يناسب هذه المخلوقات، ولا يعلم العباد كيفيته؛ فإنكاره رد لما أخبر الله به ورسوله، وصرفه عن ظاهره لا موجب له، ولا دليل عليه، فإن هذه المخلوقات لها شعور بالعبودية لله تعالى، تسبح وتسجد وتؤوب وتخشى كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} وقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (١).

قال القاضي عياض: وهو على ظاهره عند أهل الفقه والحديث والمتكلمين من أهل السنة، خلافًا لمن تأوله من المبتدعة والباطنية، وهو أحد أشراط الساعة العظام المنتظرة. (٢)

وَذَكَرَ أبُو سُلَيْمانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ الله فِي قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أَنَّ


(١) تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح البارى (١/ ٢٩).
(٢) إكمال المعلم (٣/ ٧٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>