أَصْحَابَ المعَانِي من أَهْل التَّفْسِيرِ قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي لمُسْتَقَرٍّ لَهَا، أَيْ: لأَجَلٍ لها، وَقَدَرٍ قُدِّرَ لَهَا، يَعْنِي انْقِطَاعَ مُدَّةِ بَقَاءِ الْعَالَمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُسْتَقَرُّهَا غَايَةٌ إِلَيْهِ فِي صُعُودِهَا وَارْتفَاعِهَا لأَطْوَلِ يَوْمٍ فِي أيَّامِ الصَّيْفِ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِي النزولِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى أَقْصَى مَشَارِقِ الشِّتَاءِ، لأَقْصَرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ؛ وَأَمَّا قَولهُ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ مِنْ حَيْثِ لا نُدْرِكُهُ وَلا نُشَاهِدُهُ"، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ فَلا نُكَذِّبُ بِهِ، وَلا نُكَيِّفُهُ؛ لأَنَّ عِلْمَنَا لا يُحِيطُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المَعْنَى: أَن عَلِمَ مَا سَألتَ عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ، كُتِبَ فِيهِ مَبَادِئُ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَاتها، وَالْوَقْتُ الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ مُدَّتها، فَيَنْقَطِعُ دَوَرَانُ الشَّمْسِ، وَتَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ فِعْلُهَا، وَهُوَ اللَّوْحُ المُحْفُوظُ، الَّذِي بُيِّنَ فِيهِ أَحْوَالُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَآجَالُهُمْ وَمَآلُ أُمُورِهِمْ وَالله أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الحدِيث الأَوَّل: إِخْبَارٌ عَنْ سجُودِ الشَّمْسِ تَحْتَ الْعَرْشِ؛ فَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَاذَاتِها الْعَرْشَ فِي مَسِيرِهَا، وَالخَبَرُ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ للهِ عزَّ وجلَّ قَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهَا لِرَبِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ مَا يَعُوقُهَا عَنِ الدَّأْبِ فِي سَيْرِهَا، وَالتَّصَرُّفِ لمَا سُخًّرَتْ لَهُ قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُ الله عزَّ وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لما جَاءَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، مِنْ أَنَّ الشَّمْسَ تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ؛ لأَنَّ المُذْكُورَ فِي الآيَةِ إِنَّمَا هُوَ نِهَايَةُ مُدْرِكِ الْبَصَرِ إِيَّاهَا حَالَ الْغُرُوبِ، وَمَصِيرُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ لِلسُّجُودِ إِنَّما هُوَ بَعْدَ غُرُوبِهَا، فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخَبَرِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}، أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فتغْمُرُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي بَلَغَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي مَسِيرِه؛ حَتَّى لَمْ يَجِدْ وَرَاءَهَا مَسْلَكًا، فَوَجَدَ الشَّمْسَ تَتَدَلَّى عِنْدَ غُرُوبِهَا فَوْقَ هَذِهِ الْعَيْنِ، أَوْ عَلَى سَمْتِ هَذِهِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَتَرَاءَى غُرُوبُ الشَّمْسِ لِمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ لا يَرَى السَّاحِلَ، يَرَى الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute