للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: فأسلم برفع الميم وفتحها وهما روايتان مشهورتان فمن رفع قال معناه أسلم أنا من شره وفتنته ومن فتح قال إن القرين أسلم من الإسلام وصار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير. (١)

وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من شره فهذا منه ولا بد.

[الوجه الخامس: الأدلة من المعقول على بطلان القصة.]

وها هي من وجوه:

أحدها: أن من جوز على الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.

وثانيهما: أنه - عليه السلام - ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلى ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنًا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلًا أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم.

وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة.

دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظَّم آلهتهم حتى خروا سجدًا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.

ورابعها: قوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها، فإذا أراد الله إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآنًا، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلًا أولى.

وخامسها: وهو أقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة (٢).


(١) شرح مسلم للنووي (١٧/ ١٥٧).
(٢) مفاتيح الغيب للرازي الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>