سادسًا: عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصغائر.
الدليل الأول: قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)}، ففي تلك الآية الكريمة جعل المولى عز وجل التأسي بنبيه - صلى الله عليه وسلم - من لوازم رجائه تعالى واليوم الآخر، وما كان سبحانه يجعل الاقتداء بنبيه - صلى الله عليه وسلم - من لوازم رجائه تعالى واليوم الآخر، إلا وهو - صلى الله عليه وسلم - معصوم في سلوكه من الصغائر. (١)
الدليل الثاني: وقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
الدليل الثالث: وقال سبحانه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فقوله: "فَاتَّبِعُونِي"، "واتبعوه" أي: اسلكوا مسلكه، واحذوا حذره - صلى الله عليه وسلم - في جميع أموره من قول وفعل.
ووجه الاستدلال في الآيتين أنه تعالى جعل الاقتداء والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لازمة من محبته عز وجل الواجبة، ولازمة للهداية والفلاح في الدنيا والآخرة. وما تلك الملازمة وسابقتها إلا شهادة من رب العزة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - على عصمته من الصغائر في كل أقواله وأفعاله.
الدليل الرابع: السيرة العطرة فتشهد أيضًا بعصمته - صلى الله عليه وسلم - من الصغائر في أحواه كلها حيث لم يعلم عنه - صلى الله عليه وسلم - الوقوع في صغيرة ولا الدنو من شيء منها، مع أن سبل النقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أحصت كل حركة من حركاته، وكل قول من أقواله، فما ترك الصحابة - رضي الله عنهم - فعلًا من أفعاله، ولا قولًا من أقواله، دق أو جلَّ إلا نقلوه إلينا عنه، حتى أنهم وصفوا يقظته، ونومه، كما وصفوا حديثه وصمته، وقيامه وجلوسه، وسيره وركوبه وترجله وجميع شمائله، إلى غير ذلك مما هو مدون في كتب الحديث والشمائل والمغازي والسير، لأنهم كانوا يرون ذلك تبليغًا عنه، وقد أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ عنه بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "أَلا لِيُبَلِّغِ
(١) رد شبهات حول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ١/ ٣٥.