للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا بقارئ؛ لأنه في هذه الحالة سيكون قد عصى أمر ربه، ولم يصدع بما أمر به أما وأنه كان عاجزًا عن القراءة التي بمعنى فعل القراءة؛ فإنه كان مصيبًا أي غير قادر على القراءة والكتابة.

٤ - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال لي اقرأ، قال: قلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ {مَا لَمْ يَعْلَمْ}، قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الريع (١).

فالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أخبر الملك بأنه لا يعرف القراءة والكتابة، فلو كان مدلول اقرأ في مفتتح السورة بمعنى بلغ لكان قوله - صلى الله عليه وسلم - (ما أنا بقارئ) وعدم جوازه على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يقل بهذا القول أحد من قبل.

الوجه الثاني: يحتج بعض النصارى بأمر الروح الأمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - متسائلين: هل كان جبريل يجهل أنه مرسل لنبي أمِّي حتى يخاطبه بصيغة أمر القراءة؟ .

فنقول في غار حراء نزل الروح الأمين بأول كلمات القرآن على النبي المتحنث بين جنبات الغار، فتحكي كتب السيرة أن جبريل عليه السلام ضمه إلى صدره، حتى بلغ منه الجهد وقال له: اقرأ، فرد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ما أنا بقارئ. وهذا طبقًا للروايات الصحيحة: من حديث عائشة - رضي الله عنها - فأعاد جبريل ذلك مرة أخرى ورد - صلى الله عليه وسلم - بنفس ذلك الرد، وفي المرة الثالثة قال له النبي الكريم: ماذا أقرأ؟ فكانت الآيات الأولى من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم.


(١) البخاري (٣)، ومسلم (١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>