للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨ - سليمان - عليه السلام -]

وأما سليمان النبي الحكيم الذي تشهد له التوراة بالحكمة. (انظر الأيام (٢) ٢/ ١٢). فقد كان له نصيب أكبر في سلسلة المخازي التوراتية، فقد جعلته التوراة عابدًا لأصنام نسائه اللاتي بلغن ألفًا، كما بنى المعابد لعبادتها، فغضب عليه الرب وسخط، تقول التوراة: "وَكَانَتْ لَهُ سَبع مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلَاثُ مِئةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ. وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيمُانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلًا مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. فَذَهَبَ سُلَيُمانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. وَعَمِلَ سُلَيمانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيُمانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الموآبِيِّينَ عَلَى الجبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ ويذْبَحْنَ لآلِهتِهِنَّ. فَغَضبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيُمانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَال عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لَا يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. فَقَال الرَّبُّ لِسُلَيُمانَ: "مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الممْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ." (الملوك (١) ١١/ ٣ - ١١).

وكانت الأسفار قد أثنت على سليمان، وذكرت بشارة الله لأبيه داود بهذا الابن الذي سيبني بيت الله، ووصفته بالبر والطهارة الذي عبرت عنه الأسفار بلفظة البنوة لله، وهو لفظ يدل على صلاح صاحبه - كما هو معهود في التوراة -، تقول البشارة لداود: "هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَاليْهِ، لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيُمانَ. فَأَجْعَلُ سَلَامًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَأَنَا لَهُ أَبًا وَأثبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبدِ." (الأيام (١) ٢٢/ ٩ - ١١)، كما ذكرت الأسفار أن الله سماه "يديديا" (أي حبيب الرب)، لأن "الرب أحبه" (صموئيل (٢) ١٢/ ٢٤)، فهل ضيع سليمان - المبَشر به - أوامر الرب؟ وهل عمل الشر وبنى معابد الأوثان طمعًا في رضا نسائه أم كان - المحبوب عند الله - فصدق فيه قول الله في القرآن، فقال: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>