للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنصبة ما أخذ باقي الورثة، ولهذا حرصت الشريعة على حفظ حق الجنين باعتبار أحسن الحالين، وفي حق من معه من الورثة أسوؤهما حتى لا ينفرط حقه ويتعثر.

وقال العلماء في الرجل يتوفى ووارثه حمل في البطن: يوقف له الميراث فيرث له حالة خروجه حيًّا، وإن خرج ميتًا لا يرث، بل هو لباقي الورثة الأول، وفي حالة خروجه حيًّا ثم مات يورث منه سواء استهل أم لم يستهل بعد أن وجد فيه أمارات الحياة من عطاس أو تنفس أو حركة دالة على الحياة سوى اختلاج الخارج من الضيق، وهذا قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي (١). وذهب آخرون إلى أنه لا يورث منه ما لم يستهل وهو قول محمد بن سيرين وغيره، وبه قال الزهري ومالك، قال الزهري: أرى العطاس استهلالًا، واحتجوا بما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا استهل المولود ورث) (٢). والاستهلال هو رفع الصوت، والمراد عند الآخرين وجود أمارة الحياة، وعبر عنها بالاستهلال، لأنه يستهل حالة الانفصال في الأغلب، وبه تعرف حياته، وانظر كلام الفقهاء في هذه المسألة، لأن المقصود هنا هو الإشارة فقط.

١٠ - حق الجنين في الحفاظ على حياته: جاء دين الله تعالى وعموم البشرية في ظلمات فكرية وخلقية، فكان لزامًا أن يصحح دين الله تعالى ويصلح ما خربه الجاهليون، لفهمهم الضال عن الذرية وسلوكهم المشين تجاه أولادهم من قتل ووأد وحز شديد لإنجاب البنات، قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)} [الأنعام: ١٤٠].

قال ابن كثير: يقول تعالى: قد خسر الذين فعلوا هذه الأفعال في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم، وضيقوا عليهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم، وأما في الآخرة فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم، كما


(١) مستفاد من شرح السنة للبغوي (٨/ ٣٦٨).
(٢) أبو داود (٢٩٢٠)، ابن ماجه (١٥٠٨)، صححه الألباني في مشكاة المصابيح (٣٠٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>