للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا أخاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله - صلى الله عليه وسلم - "الحج عرفه" أي عماده ومعظمه عرفه، والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم، ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة وأن لا يغزوا بالثناء الكاذب عليهم وأن يدعي لهم بالصلاح وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات. (١)

[من الحقوق الواجبة على الولاة أن يقسموا الأموال كما أمر الله ورسوله]

فليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم كما يقسم المالك ملكه فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء ليسوا ملاكا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني والله لا أعطي أحدًا ولا أمنع أحدًا وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت". (٢)

فهذا رسول رب العالمين قد أخبر أنه ليس المنع والعطاء بإرادته واختياره كما يفعل ذلك المالك الذي أبيح له التصرف في ماله وكما يفعل ذلك الملوك الذين يعطون من أحبوا وإنما هو عبد الله يقسم المال بأمره فيضعه حيث أمره الله تعالى، وهكذا قال رجل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى فقال له عمر: أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم ما لا وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم، وحمل مرة إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مال عظيم من الخمس فقال: إن قومًا أدوا الأمانة في هذا لأمناء فقال بعض


(١) شرح مسلم للنووي (٦/ ٣١٥).
(٢) أخرجه البخاري (٢٩٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>