للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما غالطوا به من تفسير السبيل بأنها السبيل إلى قضاء الشهوة بطريق النكاح، فإن القرآن قد أنكره على المؤمنين في قوله: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣]، فكيف تكون السبيل التي يشرعها الله لهن موضع إنكار وتحريم في آية أخرى؟ ، ثم ما قيمة تلك الشهوة التي وقعن بسببها في الفاحشة، حتى يهتم القرآن بإشباعها فيهن، وبالسبيل التي تيسر لهن إشباعها؟ .

أكل هذا من أجل أنه قال: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} ولم يقل عليهن؟ ، ولكن ألا يقال للمخلص من الشيء هو سبيل له، سواء كان أخف أو أثقل؟ . (١)

الآية الرابعة: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} نسخت بقوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة: ١٢، ١٣].

قالوا: إن المنافقين كانوا يمتنعون من بذل الصدقات، وإن قومًا من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهرًا وباطنًا إيمانًا حقيقيًا، فأراد الله تعالى أن يميزهم عن المنافقين، فأمر بتقديم الصدقة على النجوى؛ ليتميز هؤلاء الذين آمنوا إيمانًا حقيقيًا عمن بقي على نفاقه الأصلي، وإذا كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت، لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت. وحاصل قولهم: أن ذلك التكليف كان مقدرًا بغاية مخصوصة، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة، فلا يكون هذا نسخًا.

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: لو كان كذلك لكان من لم يتصدق منافقًا، وهو باطل؛ لأنه (جاء في الخبر) أنه لم يتصدق غير علي - رضي الله عنه -. (٢)


(١) المصدر السابق.
(٢) تفسير الطبري (٢٨/ ٢٠)، من طريق (ابن أبي نجيح، ليث) عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قدم دينارًا فتصدق به، ثم أنزلت الرخصة في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>