يقول الدكتور بحق- وسيلة لمعرفة وتمييز من أدى الضريبة ومن لم يؤدها، وخاصة أن الطباعة لم تكن قد ظهرت بعد، وكان من العسير تدوين إيصالات واضحة ثابتة، تثبت تأدية الجزية ولا يمكن تزييفها، وما زالت بعض الدول الأفريقية والآسيوية في القرن العشرين تتبع هذه السياسة في الانتخابات، فيقومون بختم أيدي الناخبين بنوع من الأختام لا تزول إلا بعد يومين أو أكثر حتى لا يعطي صوته أكثر من مرة.
[الشبهة الرابعة]
قالوا: إن التاريخ يثبت أن هناك فترات من التوتر الديني والطائفي بين المسلمين وغير المسلمين.
الجواب:
إن تاريخ التسامح الإسلامي مع أهل الأديان الأخرى تاريخ ناصع البياض، وقد رأينا كيف عاش هؤلاء في غاية من الأمان، والحرية، والكرامة باعتراف المؤرخين المنصفين من الغربيين أنفسهم، ولكن قومًا لبسوا مسوح العلم يريدون أن يقولوا في هذا التاريخ ما لم يقله، ويحملوه ما لم يحمله عنوة وافتعالًا، يصطادون في الماء العكر.
وفي سبيل هذه الغاية الشريرة جهدوا جهدهم أن يشوهوا تاريخ التسامح الإسلامي الذي لم تعرف له الإنسانية نظيرًا. متذرعين بحوادث جزئية قام بها بعض العوام أو الرعاع في بعض البلاد، وبعض الأزمان نتيجة لظروف وأسباب خاصة تحدث في كل بلاد الدنيا إلى يومنا هذا.
وفي شهادة لمؤرخ نصراني معاصر هو الدكتور جاك تاجر (١٣٣٦ - ١٣٧١ هـ)(١٩١٨ - ١٩٥٢ م) يقول: إن الأقباط قد استقبلوا العرب كمحررين بعد أن ضمن لهم العرب عند دخولهم مصر الحرية الدينية، وخففوا عنهم الضرائب، ولقد ساعدت الشريعة الإسلامية الأقباط على دخولهم الإسلام وإدماجهم في المجموعة الإسلامية بفضل إعفائهم من الضرائب، أما الذين ظلوا مخلصين للمسيحية فقد يسر لهم العرب سبل كسب المعيشة، إذ وكلوا لهم أمر الإشراف على دخل الدولة (١)، وهذه السماحة الإسلامية التي
(١) د/ جاك تاجر أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢ صـ ٣٠٩ - ٣١٥.