تحدثت عنها هذه الشهادات النصرانية الشرقية، والتي أكدت وتؤكد أن هذه السماحة لم تقف فقط عند الدين وإنما امتدت لتترك جهاز الدولة أيضًا لأهل البلاد قد شهد بحقيقتها المستشرق الألماني الحجة آدم متز (١٨٦٩ - ١٩١٧ م) عندما قال: لقد كان النصارى هم الذين يحكمون بلاد الإسلام (١)، وحتى فترات التوتر الديني والطائفي التي شهدها التاريخ الإسلامي بين المسلمين وغير المسلمين التي ما كان متصورًا لهذا التاريخ الطويل أن يخلو منها، فإن سماحة الإسلام قد ظلت بريئة منها وذلك بشهادة المؤرخين الثقات من غير المسلمين، والذي يقول واحد منهم وهو المؤرخ الاجتماعي اللبناني جورج قرم عن أسباب هذا التوتر الطائفي الذي كان عابرًا كسحب الصيف في سماء ذلك التاريخ الطويل يقول هذا المؤرخ النصراني عن أسباب هذا التوتر: إنها محصورة في ثلاثة أسباب:
١ - المزاج الشخصي المختل لحكام اضطهدوا الأغلبية المسلمة مع الأقليات غير المسلمة.
٢ - الظلم والاستعلاء الذي مارسته الزعامات النصرانية واليهودية التي قبضت على جهاز الدولة المالي والإداري؛ فاضطهدت جمهور المسلمين الفقراء: الأمر الذي ولد ردود أفعال لم تقف عند الذين ظلموا منهم خاصة.
٣ - استجابة قطاعات من أبناء الأقليات لغوايات الغزاة الغربيين الأمر الذي ولد ردود أفعال عنيفة عقب الغزوات الغربية، طالت قطاعات من أبناء هذه الأقليات.
لقد حصر جورج قرم التوتر الطائفي الذي مر بتاريخ السماحة الإسلامية في هذه الأسباب الثلاثة فقال: إن فترات التوتر والاضطهاد لغير المسلمين في الحضارة الإسلامية كانت قصيرة يحكمها ثلاثة عوامل:
العامل الأول: هو مزاج الخلفاء الشخصي فأخطر اضطهادين تعرض لهما الذميون وقعا في عهد المتوكل العباسي (٢٠٦ - ٢٤٧ هـ)(٨٢١ - ٨٦١ م) الخليفة الميال بطبعه إلى
(١) آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ١/ ١٠٥، ترجمة د/ محمد عبد الهادي أبو ريدة.