للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعصب والقسوة، وفي عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (٣٧٥ - ٤١١ هـ) (٩٨٥ - ١٠٢١ م) الذي غالى في التصرف معهم بشدة.

العامل الثاني: هو تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسواد المسلمين والظلم الذي يمارسه بعض الذميين المعتلين لمناصب إدارية عالية، فلا يعسر أن ندرك صلتهما المباشرة بالاضطهادات التي وقعت في عدد من الأمصار.

أما العامل الثالث: فهو مرتبط بفترات التدخل الأجنبي في البلاد الإسلامية، وقيام الحكام الأجانب بإغراء واستدارج الأقليات الدينية غير المسلمة إلى التعاون معهم ضد الأغلبية المسلمة. إن الحكام الأجانب بمن فيهم الإنجليز لم يحجموا عن استخدام الأقلية القبطية في أغلب الأحيان ليحكموا الشعب ويستنزفوه بالضرائب، وهذه ظاهرة نلاحظها في سوريا أيضًا حيث أظهرت أبحاث جب بولياك (١٨٩٥ - ١٩٧١ م) كيف أن هيمنة أبناء الأقليات في المجال الاقتصادي أدت إلى إثارة قلاقل دينية خطيرة بين النصارى والمسلمين في دمشق سنة ١٨٦٠ م، وبين الموارنة والدروز في جبال لبنان سنة ١٨٤٠ م، وسنة ١٨٦٠ م، ونهايات الحملات الصليبية قد أعقبتها في أماكن عديدة أعمال ثأر وانتقام ضد الأقليات المسيحية ولا سيما الأرمن التي تعاونت مع الغازي.

بل إنه كثيرًا ما كان موقف أبناء الأقليات أنفسهم من الحكم الإسلامي -حتى عندما كان يعاملهم بأكبر قدر من التسامح- سببًا في نشوب قلاقل طائفية، فعلاوة على غلو الموظفين الذميين في الابتزاز، وفي مراعاتهم وتحيزهم إلى حد الصفاقة أحيانًا لأبناء دينهم ما كان يندر أن تصدر منهم استفزازات طائفية بكل معنى الكلمة (١).

تلك هي السماحة الإسلامية كما تجلت في القرآن الكريم، وفي البيان النبوي للبلاغ القرآني وكما تجسدت في المواثيق الدستورية، وفي الحياة العملية، والواقع المعيش للدولة


(١) جورج قرم. تعدد الأديان ونظم الحكم دراسة سوسيولوجية وقانونية مقارنة صـ ٢١١ - ٢٢٤، والنقل عن د/ سعد الدين إبراهيم. الملل والنحل والأعراق صـ ٧٢٩ - ٧٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>