للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: أن معاوية -رضي الله عنه- انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي- رضي الله عنهما- له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب، ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سب علي؟ ! بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية -رضي الله عنه- الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة، والتدبير.

الخامس: أنه كان بين معاوية -رضي الله عنه- بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي من الألفة والتقارب ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ .. ومن ذلك أن الحسن، والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف، وقال لهما: ما أجاز بهما أحد قبلي، فقال له الحسن: ولم تعط أحدًا أفضل منا. (١)

ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: مرحبًا، وأهلًا بابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر له بثلاثمائة ألف. (٢) وهذا مما يقطع بكذب ما ادعي في حق معاوية -رضي الله عنه- من حمله الناس على سب علي -رضي الله عنه-، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة.

الرواية الثانية: عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليًّا -رضي الله عنه-، فأبى سهل، فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعليٌّ اسمٌ أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته، لم سمي أبا التراب؟ قال: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: كان بيني، وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يَقِلْ عندي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب قم أبا التراب (٣).


(١) البداية والنهاية (٨/ ١٣٩).
(٢) المصدر نفسه (٨/ ١٤٠).
(٣) صحيح مسلم (٢٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>