للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مثل قوله -رضي الله عنه- لابن عباسٍ: أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١). وظاهر قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما ادعي من الأمر بالسب، فحاشا معاوية -رضي الله عنه- أن يصدر منه مثل ذلك، والمانع من هذا عدة أمور: -

الأول: أن معاوية نفسه ما كان يسب عليًّا -رضي الله عنه-، فكيف يأمر غيره بسبه؟ بل كان معظمًا له معترفًا له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابت عنه.

قال ابن كثير: وقد ورد من غير وجه أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع عليًّا أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني (٢).

ونقل ابن كثير أيضًا عن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة -رضي الله عنه- قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك، إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم (٣).

الثاني: أنه لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية -رضي الله عنه- تعرض لعلي -رضي الله عنه- بسب، أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.

الثالث: أن معاوية -رضي الله عنه- كان رجلًا ذكيًا، مشهورًا بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي -وحاشاه من ذلك- أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو من هو في الفضل، والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلًا! ! فهذا لا يفعله أقل الناس عقلًا، وتدبيرًا، فكيف بمعاوية!


(١) الإبانة الكبرى لابن بطة (١/ ٣٥٥).
(٢) البداية والنهاية (٨/ ١٣٢).
(٣) نفس المصدر (٨/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>