للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (قل) يا رسول الله، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المُقام مع آبائكم، وأبنائكم، وإخوانكم، وأزواجكم، وعشيرتكم، وكانت (أموالٌ اقترفتموها) أي اكتسبتموها، (وتجارةٌ تخشون كسادها) بفراقكم بلدَكم، (ومساكنُ ترضونها) فسكنتموها (أحبَّ إليكم) من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك، وأحب إليكم من الجهاد في سبيله، يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه (فتربصوا) يعني: فتنظَّروا؛ أي: انتظروا (حتى يأتي الله بأمره) حتى يأتي الله بفتح مكة (والله لا يهدي القوم الفاسقين)، أي: والله لا يوفِّق للخير الخارِجين عن طاعته المنغمسين في معصيته (١).

فأمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله تعالى وعلى رسوله وجهاد في سبيله؛ أي: إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم (٢).

هذه آية شديدة، لا نرى أشد منها، كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقدة الدين، واضطراب حبل اليقين، فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه: هل يجد عنده من التصلب في ذات الله والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء، والأبناء، والإخوان، والعشائر، والمال، والمساكن، وجميع حظوظ الدنيا ويتجرد منها لأجله؟ أم يزوي الله عنه أحقر شيء منها لمصلحته فلا يدري أي طرفيه أطول، ويغويه الشيطان عن أجل حظ من حظوظ الدين فلا يبالي كأنما وقع على أنفه ذباب فطيَّره. (٣)

[الوجه الثالث: اتفاق معنى الآية مع شرح ما ورد من تعاليم في كتابهم المقدس.]

لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلَامًا عَلَى الأَرْضِ، مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلَامًا بَلْ سَيْفًا، ٣٥ فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا، ٣٦ وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ


(١) جامع البيان للطبري (١٠/ ٩٨: ٩٩).
(٢) تفسير القرآن لابن كثير (٧/ ١٦٤).
(٣) محاسن التأويل لمحمد جمال الدين القاسمي (٨/ ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>