للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل يتصور إنسان أن يحبس عمر، ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، أو ابن مسعود الأنصاري، وقد عرف حفظهم وورعهم؟ بل إن عمر - رضي الله عنه - امتن على أهل العراق كما أسلفنا عندما أرسل إليهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، فكتب إلى أهل الكوفة: إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه. وذكر عمر ابن مسعود فقال: كنيف ملئ علما آثرت به أهل القادسية.

كيف يأمر الناس بالأخذ منه، ويشهد له بالعلم، ثم يحبسه؟ .

وما ورد على حبس ابن مسعود يرد على الصحابة الباقين، ففيهم أبو الدرداء إمام الشام وقاضيها ومعلمها القرآن.

وبهذا البيان لا يرقى إلى الصحة خبر حبس عمر - رضي الله عنه - الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأنهم أكثروا من الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل إنه يُروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه نهى عن الإكثار من الرواية، فهل يُتصور أنه ينهى عن شيء ويفعله؟ وقد ورد عنه قوله: ليس العلم بكثرة الحديث، ولكن العلم بالخشية (١).

قال د/ محمد أبو شهبة: وطعن ابن حزم في الرواية بالانقطاع؛ لأن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف راويه عن عمر، لم يسمع منه، وقد وافقه على هذا البيهقي، وأثبت سماعه من عمر يعقوب بن شيبة، والطبري، وغيرهما. والذي يظهر أنه لم يسمع منه- وقد ذكر الحافظ ابن حجر: أنه مات سنة ٩٥ أو ٩٦ هـ، وعمره ٧٥ سنة، فتكون ولادته سنة عشرين للهجرة، وعلى هذا يكون له حين توفي الفاروق ثلاث سنوات، وهي سنٌ دون التحمل، وعلى هذا فلا تكون الرواية حجة للانقطاع، ولعل البلاء جاء من هذا الراوي المحذوف (٢).

[الوجه الثاني: بيان معنى الحبس في هذا الأثر.]

وفي رواية سعد بن إبراهيم، عن أبيه التي ذكرها الخطيب ما يدل أنه استبقاهم بالمدينة حتى عرف لفظهم سواء، وهذه هي رواية الخطيب: قال: بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود، وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا الحديث الذي


(١) السنة قبل التدوين (صـ ١٠٨) وما بعدها.
(٢) دفاع عن السنة لأبي شهبة (صـ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>