فيه عن صيغة، كالانتقال من خطاب حاضر إلى غائب، أو من خطاب غائب إلى حاضر، أو من فعل ماض إلى مستقبل، أو من مستقبل إلى ماض، أو غير ذلك مما يأتي ذكره مفصلا.
ويسمى أيضًا (شجاعة العربية) وإنما سمي بذلك؛ لأن الشجاعة هي الإقدام، وذاك أن الرجل الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره، ويتورد ما لا يتورده سواه، وكذلك هذا الالتفات في الكلام، فإن اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات.
وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
[القسم الأول: في الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة.]
اعلم أن عامة المنتمين إلى هذا الفن إذا سئلوا عن الانتقال عن الغيبة إلى الخطاب، وعن الخطاب إلى الغيبة، قالوا: كذلك كانت عادة العرب في أساليب كلامها، وهذا القول هو عكاز العميان، كما يقال، ونحن إنما نسأل عن السبب الذي قصدت العرب ذلك من أجله.
وقال: والذي عندي في ذلك أن الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، أو من الغيبة إلى الخطاب، لا يكون إلا لفائدة اقتضته، وتلك لفائدة أمر وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب، غير أنها لا تحد بحد، ولا تضبط بضابط، لكن يشار إلى مواضع منها ليقاس عليها غيرها، فإنا قد رأينا الانتقال من الغيبة إلى الخطاب قد استعمل لتعظيم شأن المخاطب، ثم رأينا ذلك بعينه وهو ضد الأول قد استعمل في الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، فعلمنا حينئذ أن الغرض الموجب لاستعمال هذا النوع من الكلام لا يجري على وتيرة واحدة، وإنما هو مقصور على العناية بالمعنى المقصود، وذلك المعنى يتشعب شعبًا كثيرة لا تنحصر، وإنما يؤتى بها على حسب الموضع الذي ترد فيه وسأوضح ذلك في ضرب من الأمثلة الآتي ذكرها.
فأما الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، فكقوله تعالى في سورة الفاتحة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} هذا