للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ (١).

قال ابن عبد البر: وحديثه ذاك أصح في النقل من هذا؛ لأنه أثبت إسنادا عند أهل الحديث (٢).

[الشبهة السابعة عشر: اهتمامه بشبع بطنه.]

اتهامهم لأبي هريرة بأنه ما صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا لشبع بطنه، معولون في شبهتهم هذه من قوله: وَكُنْتُ ألزَمُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مِلْءِ بطني، وأنه كان يقول: ويل لي من بطني، إن أشبعته كهظني، وإن أجعته أضعفني.

والرد على ذلك من وجوه:

[الوجه الأول: المعنى الصحيح لقوله: (كنت أصحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على ملء بطني)]

قال ابن حجر: قوله: (على ملء بطني) أي: مقتنعًا بالقوت، أي: فلم تكن له غيبة عنه (٣).

وقال أيضًا: قوله (على ملء بطني) بكسر الميم وبهمزة آخره أي: بسبب شبعي أي أن السبب الأصلي الذي اقتضى له كثرة الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ملازمته له ليجد ما يأكله؛ لأنه لم يكن له شيء يتجر فيه، ولا أرض يزرعها ولا يعمل فيها، فكان لا ينقطع عنه خشية أن يفوته القوت فيحصل في هذه الملازمة من سماع الأقوال ورواية الأفعال ما لا يحصل لغيره ممن لم يلازمه ملازمته (٤).

فأبو هريرة لم يتكلم عن إسلامه ولا هجرته ولا صحبته المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، وإنما تكلم عن مزيته وهي لزومه للنبي - صلى الله عليه وسلم - دونهم، ولم يعلل هذه المزية بزيادة محبته أو زيادة رغبته في الخير أو العلم أو نحو ذلك مما يجعل له فضيلة على إخوانه، وإنما عللها على أسلوبه في التواضع بقول: (على ملء بطني) فإنه جعل المزية لهم عليه بأنهم أقوياء يسعون في معاشهم وهو مسكين، هذا والله أدب بالغ تخضع له الأعناق. (٥) وذلك لأن مراد أبي هريرة من


(١) البخاري (١١٣).
(٢) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ١/ ٧٤.
(٣) فتح الباري ٤/ ٢٨٩.
(٤) فتح الباري ١٣/ ٣٢٣، وانظر شرح صحيح مسلم للنووى ٨/ ٢٩٢.
(٥) الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة صـ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>