للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز في التشبيه أن يشبه المفرد بالجمع والبسيط بالمركب على سبيل التجريد لتوضيح الحال. وكلًا من الترشيح والتجريد مشتمل على مبالغة في التشبيه. .، وما يجري من الترشيح والتجريد في المجاز المفرد يجري في التمثيل فمثال التجريد فيه قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} إلى قوله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} فإن جمع الضمير مراعاة للمشبه لا للمشبه به؛ لأنه مفرد. (١)

[الوجه الثالث]

إنما ضرب المثل -واللَّه أعلم- للفعل لا للأعيان، وإنما هو مثل للنفاق، فقال: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}، ولم يقل: (الذين استوقدوا)، وهو كما قال اللَّه: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} (الأحزاب: ١٩)، وقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (لقمان: ٢٨)، فالمعنى -واللَّه أعلم-: إلا كبعث نفس واحدة، ولو كان التشبيه للرجال لكان مجموعًا كما قال: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} (المنافقون: ٤)؛ أراد القِيَمَ والأجسام، وقال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧)} (الحاقة: ٧) فكان مجموعًا، إذا أراد تشبيه أعيان الرجال فأجز الكلام على هذا، وإن جاءك تشبيه جمع الرجال موحدًا في شعر فأجزه، وإن جاءك التشبيه للواحد مجموعًا في شعر فهو أيضًا يراد به الفعل فأجزه؛ كقولك: ما فعلك إلا كفعل الحمير، وما أفعالكم إلا كفعل الذئب، فابن على هذا، ثم تلقى الفعل فتقول: ما فعلك إلا كالحمير وكالذئب، وإنما قال اللَّه -عز وجل-: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} لأن المعنى: ذهب إلى المنافقين فجمع لذلك، ولو وحد لكان صوابًا؛ كقوله: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥)}. (٢)

ومعناه: تمثيلُ الجماعة من المنافقين بالمستوقِدِ الواحد، فإنما جاز لأن المرادَ من الخبر عن


(١) انظر موجز البلاغة للطاهر بن عاشور ٣٦.
(٢) معاني القرآن للفراء ١/ ١٥، المحرر الوجيز لابن عطية ١/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>