للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقًّا، سلبوا النصارى بلاد الشام، وأَجْلَوهم إلى الروم، فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - أمَّته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية، ويستفيؤون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مَقْتلة عظيمة جدا، لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها؛ ولهذا قال تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي: يوم القيامة {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} وكذلك فعل تعالى بمن كفر بالمسيح من اليهود، أو غلا فيه وأطراه من النصارى، عَذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأخْذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك، وفي الدار الآخرة عَذابُهم أشد وأشق {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} (الرعد: ٣٤)، {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} أي: في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والظفر، وفي الآخرة بالجنات العاليات {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، ثم قال تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} أي: هذا الذي قَصَصْنَاه عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره، هو مما قاله الله تعالى، وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ، فلا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى في سورة مريم: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (مريم: ٣٤ - ٣٥) (١).

الدليل الثامن عشر: يثبت أن الله تعالى خلق عيسى عليه السلام بكن: قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران: ٥٩). يقول تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ} في قدرة الله تعالى، حيث خلقه من غير أب {كَمَثَلِ آدَمَ}؛


(١) تفسير ابن كثير ١/ ٤٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>