للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقوبات وإنما ذلك بسبب مخالفتهم للرسل وإعراضهم عما جاءوا به واتخاذهم أولياء من دونه وهذه سنته سبحانه فيمن خالف رسله وأعرض عما جاؤوا به واتبع غير سبيلهم (١).

قال ابن القيم: ومن ها هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا يُنال رضى الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فُرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال بل أعظم ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي وما لجرح بميت إيلام.

وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (٢).

وهذه الوجوه السابقة مجتمعة تؤكد الحاجة الأساسية لإرسال الرسل حتى يقوموا بتحقيق هذه الغايات.

[المبحث الثاني: لماذا كان الرسل من البشر؟]

١ - إن البشر أقدر على القيادة والتوجيه، وهم الذين يصلحون قدوة وأسوة، وهذه الحكمة تظهر حين التأمل في رسالة أي رسول منهم.


(١) مجموع الفتاوى (٩٨/ ٩٣١٩).
(٢) زاد المعاد (١/ ٦٨: ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>