أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢]، فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورًا يمشى به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وسمى الله تعالى رسالته روحًا والروح إذا عدم فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢].
فذكر هنا الأصلين وهما الروح والنور فالروح الحياة والنور النور. وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتًا لا ترجى الحياة معه أبدًا أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا فلا فلاح إلا بإتباع الرسول فان الله خص بالفلاح إتباعه المؤمنين وأنصاره كما قال تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧]، أي: لا مفلح إلا هم كما قال تعالى، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)} [آل عمران: ١٠٤].
فخص هؤلاء بالفلاح كما خص المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم ويؤمنون بما أنزل إلى رسوله، وما أنزل من قبله، ويوقنون بالآخرة وبالهدى والفلاح، فعلم بذلك أن الهدى والفلاح دائر حول ربع الرسالة وجودًا وعدمًا، وهذا مما اتفقت عليه الكتب المنزلة من السماء وبعث به جميع الرسل ولهذا قص الله علينا أخبار الأمم المكذبة للرسل وما صارت إليه عاقبتهم وأبقى آثارهم وديارهم عبرة لمن بعدهم وموعظة وكذلك مسخ من مسخ قردة وخنازير لمخالفتهم لأنبيائهم وكذلك من خسف به وأرسل عليه الحجارة من السماء وأغرقه في اليم وأرسل عليه الصيحة وأخذه بأنواع