وكذلك تنقسم هذه الحروف إلى قسمين آخرين: أحدهما: حروف غير شديدة، وحروف شديدة، وهى التي تمنع الصوت أن يجرى فيه، وهى الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والظاء، والذال، والطاء، والباء.
وقد علمنا أن نصف هذه الحروف أيضًا هي مذكورة في جملة تلك الحروف التي بني عليها تلك السور.
ومن ذلك الحروف المطبقة، وهي أربعة أحرف، وما سواها منفتحة.
فالمطبقة: الطاء، والظاء، والصاد، والضاد.
وقد علمنا أن نصف هذه الحروف في جملة الحروف المبدوء بها في أوائل السور.
وإذا كان القوم - الذين قسموا الحروف هذه الأقسام لأغراض لهم في ترتيب العربية، وتنزيلها بعد الزمان الطويل من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - رأوا مباني اللسان على هذه الجهة، وقد نبه بما ذكر في أوائل السور على ما لم يذكر، على حد التنصيف الذي وصفنا - دل على أن وقوعها الموقع الذي يقع التواضع عليه - بعد العهد الطويل - لا يجوز أن يقع إلا من الله عز وجل؛ لأن ذلك يجرى مجرى علم الغيوب، وإن كان إنما تنبهوا على ما بني عليه اللسان في أصله، ولم يكن لهم في التقسيم شيء، وإنما التأثير لمن وضع أصل اللسان، فذلك أيضًا من البديع الذي يدل على أن أصل وضعه وقع موقع الحكمة، التي يقصر عنها اللسان. فإن كان أصل اللغة توقيفًا فالأمر في ذلك أَبْينُ.
وإن كان على سبيل التواضع فهو عجيبٌ أيضًا! ! لأنه لا يصح أن تجتمع هممهم المختلفة على نحو هذا إلا بأمرٍ من عند الله تعالى.
وكلّ ذلك يوجب إثبات الحكمة في ذكر هذه الحروف على حدّ يتعلق به الإعجاز من وجه، ويشبه أن يكون التنصيف وقع في هذه الحروف دون الألف؛ لأن الألف قد تلغى، وقد تقع الهمزة وهى موقعًا واحدًا. (١)