للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: فَأَخَذَ بِهَذَا (حديث سبيعة) جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف، فَقَالُوا: عِدَّة المُتَوَفَّى عَنْهَا بِوَضْعِ الْحَمْل، حَتَّى لَوْ وَضَعَتْ بَعْد مَوْت زَوْجهَا بِلَحْظَةٍ قَبْل غَسْله اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا وَحَلَّتْ فِي الْحَال لِلْأَزْوَاجِ. هَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَالْعُلَمَاء كَافَّة (١).

الآية الثالثة: قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)} [النساء: ١٥]، قالوا: المراد بقوله: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} السحاقات، وحدُّهن الحبس إلى الموت، وبقوله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء: ١٦] أهل اللواط، وحدهما الأذى بالقول والفعل، والمراد بالآية المذكورة في سورة النور: الزنا بين الرجل والمرأة، وحده في البكر الجلد، وفي المحصن الرجم.

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: إجماع أهل العلم على أن الآية منسوخة.

كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة، حُبست في بيت فلا تُمكن من الخروج منه إلى أن تموت؛ ولهذا قال: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} يعني: الزنا {مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}، فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان الحكم كذلك، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد، أو الرجم. وكذا رُوي عن عِكْرِمة، وسَعيد بن جُبَيْر، والحسن، وعَطاء الخُراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك: أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه. (٢)

وأجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور. (٣)


(١) شرح النووي على مسلم (٥/ ٣٦٧).
(٢) تفسير ابن كثير (٣/ ٣٨٤).
(٣) المحرر الوجيز (٢/ ٢٢)، تفسير الخازن (١/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>