المراد "بالعاقر" في الفقرة الأولى مكة المعظمة؛ لأنها لم يظهر منها نبيٌّ بعد إسماعيل - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينزل فيها وحيٌ بخلاف أورشليم؛ لأنه ظهر فيها الأنبياء الكثيرون، وكثر فيها نزول الوحي.
وقوله "بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ" عبارة عن أولاد هاجر؛ لأنها كانت بمنزلة المطلقة المخرجة من البيت ساكنة في البر، ولذلك وقع - في حق إسماعيل - في وعد الله هاجر (وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا) كما هو مصرح به سفر التكوين (١٦: ١١ - ١٢).
وقوله "بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ" عبارة عن أولاد سارة. فخاطب الله مكة آمرًا لها بالتسبيح والتهليل وإنشاد الشكر، لأجل أن كثيرين من أولاد هاجر صاروا أفضل من أولاد سارة، فحصلت الفضيلة لها بسبب حصول الفضيلة لأهلها، ووفَّى بما وعد بأن بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسولًا أفضل البشر خاتم النبيين من أهلها في أولاد هاجر، وهو المراد بالصائغ الذي ينفخ في النار جمرًا، وهو القَتُول الذي خُلق لإهلاك المشركين، وحصل لها السَّعة بواسطة هذا النبي وما حصل لغيرها من المعابد في الدنيا؛ إذ لا يوجد معبد مثل الكعبة من ظهور محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الحين، والتعظيم الذي يحصل لها من القرابين في كل سنة من مدة كبيرة، لم يحصل لبيت المقدس إلا مرتين، مرة في عهد سليمان - عليه السلام - لما فرغ من بنائه، ومرة في السنة الثامنة عشر من سلطنة يوشيا، ويبقى هذا التعظيم لمكة إلى آخر الدهر إن شاء الله كما وعد الله بقوله:(لَا تَخَافِي لأَنَّكِ لَا تَخْزَيْنَ، وَلَا تَخْجَلِي لأَنَّكِ لَا تَسْتَحِينَ.) وبقوله: (برحمات عظيمة أجمعك وبالرحمة الأبدية رحمتك) وبقوله: (حلفت أن لا أغضب عليك وأن لا أوبخك)، وبقوله:(رحمتي لا تزول عنك وعهد سلامي لا يتحرك)، وملك زرعها شرقًا وغربًا وورثوا الأمم وعمروا المدن في مدة قليلة لا تتجاوز اثنين وعشرين سنة من الهجرة، ومثل هذه الغلبة في مثل هذه المدة القليلة، لم يسمع من عهد آدم - عليه السلام - إلى زمان محمد - صلى الله عليه وسلم -