فالأول كفر وإعراض، والثاني كفر وعناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها؛ فهذا الذي نفي الله عنه التعذيب حتى تقوم حجة الرسل.
الأصل الأول: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتميزه كالصغير، والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئًا، ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الامتحان.
الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخلُّ بها؛ مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة، وهذا الأصل هو أساس الكلام في هذه الطبقات، وصدق الله وهو أصدق القائلين: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} (الأنبياء: ٢٣)، لكمال حكمته وعلمه ووضعه الأشياء مواضعها، وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد، يسأل عنه كما يُسأل المخلوق، وهو الفعَّال لما يريد، ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يعقل الشر ولا الفساد ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته، لكمال أسمائه وصفاته، وهو الغني الحميد العليم الحكيم.
[أجل وأعظم مراتب التوقير والتعظيم هو قبول ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -.]
وتقرير هذه المسألة - كون أبويه - صلى الله عليه وسلم - في النار - هدفه تقرير الأصل العظيم الذي تقوم عليه؛ وهو التسليم لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو ساءنا، ولم تقبله عقولنا، أو عواطفنا، ولو فتح كل شخص باب التشكيك في النصوص الشرعية لتسويغ الرد على ما جاء عنه حق والديه؛ فإنه سيهدم الأصل الشرعي الذي يبني عليه أصل الإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والذي جاء في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ