للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب: ٣٦)، وقوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور: ٥١).

وهذه المسألة لا تكتسب أهميتها إلا من خلال الأصل الذي تقوم عليه؛ فإن القائل بأن أبويه - صلى الله عليه وسلم - ماتا على الإيمان مع علمه بالنصوص الصحيحة، التي تدل على خلاف ذلك، ومع خلوِّ يديه من سلف صالح له في هذا القول، لا شك أن لديه خللًا واضطرابًا في أصل التلقي والاتباع الذي أُمرنا به.

ومن هنا كان تقرير هذه المسألة على منهج السلف إنما هو عنوان لتقرير المنهج النبوي، الذي هو منهج صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء ذلك في الحديث الحسن عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وافْتَرَقَت النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَة، قِيلَ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟ قَإلَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصحَابِي". (١)

أقول: هذا وأعيده حتى لا يزايد علينا أحد بحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره وتعظيمه، فتوقيره وتعظيمه هو اتباعه وتصديقه، لا الاعتراض عليه والتملص من النصوص الواردة عنه ولو في بعض الأمور العلمية، وما ينفع العبدَ أن يقوم الليل، ويصوم النهار، وهو مع هذا يرد عليه - صلى الله عليه وسلم - برأيه وعاطفته؟ ! (٢)

ومن هنا: فإن أهل الحديث من أئمة السلف الصالح، والخلف حتى من كان منهم محسوبًا على الأشعري، كالنووي والقرطبي أجروا الحديث على ظاهره، وقالوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا، وصدقوا أن والديه في النار كما أخبر دون تنصل من مسئولية العلم والبلاغ.

قال المعلمي اليماني: كثيرًا ما تجمع المحبة ببعض الناس فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وُفِّقَ عَلِمَ أن ذلك مُنَافٍ للمحبة المشروعة. (٣)


(١) أبو داوود (٤٥٩٨)، والترمذي (٢٦٤٠)، وابن ماجه (٣٩٩٢)، وصححه الألباني.
(٢) كتاب نقض مسالك السيوطي للزهراني ص ٣٠: ٢٧.
(٣) حاشية الفوائد المجموعة للشوكاني ص ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>