للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكامه بالترغيب وبالترهيب، وقد راعى مراتب نفوس المخاطبين فمنهم العالم الحكيم الذي لا يقنع إلا بالحجة والدليل، ومنهم المكابر الذي لا يرعوي إلا بالجدل والخطابة، ومنهم المترهب الذي اعتاد الرغبة فيما عند الله، ومنهم المكابر المعاند الذي لا يقلعه عن شغبه إلا القوارع والزواجر.

عاشرًا: الإقلال من التفريع في الأحكام بل تأتي بأصولها ويترك التفريع لاستنباط المجتهدين لتكون الأحكام صالحة لكل زمان.

حادي عشر: أنَّ المقصود من وصايا الأديان إمكان العمل بها، وفي أصول الأخلاق أن التربية الصحيحة هي التي تأتي إلى النفوس بالحيلولة بينها وبين خواطر الشرور، لأن الشرور إذا تسربت إلى النفوس تعذر أو عسر اقتلاعها منها، وكانت الشرائع تحمل الناس على متابعة وصاياها بالمباشرة فجاء الإسلام يحمل الناس على الخير بطريقتين:

طريقة مباشرة وطريقة سد الذرائع الموصلة إلى الفساد وغالب أحكام الإسلام من هذا القبيل، وأحسنها أنها من جملة ما أريد بالمشتبهات في حديث "الحْلَال بَيِّنٌ وَالحْرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ" (١).

الثاني عشر: الرأفة بالناس حتى في حملهم على مصالحهم؛ وذلك في إبراز ذلك التشريع في صورة لينة وفي القرآن: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: ١٨٥). وفي الحديث "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ" (٢).

الثالث عشر: امتزاج الشريعة والحكومة وذلك من خصائصها إذ لا معنى للتشريع إلا تأسيس قانون للأمة وما قيمة قانون لا تحميه القوة والحكومة وبامتزاج الحكومة مع الشريعة أمكن تعميم الشريعة واتحاد الأمة في العمل والنظام.

الرابع عشر: صراحة أصوله بحيث يتكرر في القرآن ما تستقري منه قواطع الشريعة


(١) البخاري (٥٢)، مسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -.
(٢) البخاري (٣٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>