للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الثّدْي وَإِنّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنّةِ تُتِمّ رَضَاعَهُ" (١)، قَالُوا: وَأَكّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ "لَا رَضَاعَ إلّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ فِي الثّدْي قَبْلَ الْفِطَامِ" (٢).

فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ لِلرّضَاع المُحَرّم وَمَعْلُومٌ أَنّ رَضَاعَ الشّيْخِ الْكَبِيرِ عَارٍ مِنْ الثّلَاثَةِ. (٣)

[الوجه الثاني: الأحاديث والآثار تؤكد على أن الأصل في الرضاع للطفل، وأن رضاع الكبير لا يحرم.]

١ - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير، وجهه كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة" (٤)

قال الحافظ في الفتح: والمعنى تأملن ما وقع من ذلك هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع، فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط، قال المهلَّب: معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة؛ فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة، وقال أبو عبيد معناه: أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع.

وقوله: "فإنما الرضاعة من المجاعة" فيه تعليل الباعث على إمعان النظر والفكر، لأن الرضاعة تُثبت النسب وتجعل الرضيع محرما، وقوله من المجاعة أي: الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلًا لسد اللبن جوعته؛ لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة كقوله تعالى: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} (قريش: من الآية ٤) (٥)


(١) رواه مسلم (٢٣١٦).
(٢) صحيح. وسيأتي تخريجه في محله.
(٣) زاد المعاد (٥/ ٥٨٠).
(٤) صحيح البخاري (٥١٠٢)، ومسلم (١٤٥٥).
(٥) فتح الباري لابن حجر (٩/ ٥١، ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>