للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزرقاني: إنه يستحيل في مجرى العادة أن يُتم إنسان على وجه الأرض تعليمه وثقافته ثم ينضج النضج الخارق للمعهود فيما تعلم وتثقف بحيث يصبح أستاذ العالم كله لمجرد أنه لقي مصادفة واتفاقًا راهبًا من الرهبان مرتين! على حين أن التلميذ كان في كلتا المرتين مشتغلًا عن التعليم بالتجارة، وكان أميا لا يعرف القراءة والكتابة، وكان صغيرا تابعا لعمه في المرة الأولى، وكان حاملًا لأمانة ثقيلة في عنقه لا بد أن يؤديها كاملة في المرة الثانية وهي أمانة العمل والإخلاص في مال خديجة وتجارتها. (١)

الوجه الثاني عشر: حتى ولو أثبتنا أن بحيرى لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يثبت ذكر تعلُم النبي - صلى الله عليه وسلم - من بحيرى.

إن التاريخ لا يعرف أكثر من أنه سافر إلى الشام في تجارة مرتين: مرة في طفولته ومرة في شبابه، ولم يسافر غير هاتين المرتين ولم يجاوز سوق بصرى فيهما، ولم يسمع من بحيرى ولا من غيره شيئًا من الدين ولم يك أمره سرًا هناك؛ بل كان معه شاهد في المرة الأولى وهو عمه أبو طالب، وشاهد في الثانية وهو ميسرة غلام خديجة التي خرج الرسول بتجارتها أيامئذ؛ وكل ما هنالك أن بحيرى الراهب رأى سحابة تظلله من الشمس فذكر لعمه أن سيكون لهذا الغلام شأن، ثم حذره عليه من اليهود وقد رجع به عمه خوفًا عليه ولم يتم رحلته. كذلك روي هذا الحادث من طرق في بعض أسانيدها ضعف ورواية الترمذي ليس فيها اسم بحيرى وليس في شيء من الروايات أنه سمع من بحيرى أو تلقى منه درسا واحدا أو كلمة واحدة لا في العقائد ولا في العبادات ولا في المعاملات ولا في الأخلاق فأنى يؤفكون. (٢)

الوجه الثالث عشر: بحيرى مُبشر لا مُعلم.

إن تلك الروايات التاريخية نفسها تحيل أن يقف هذا الراهب موقف المعلم المرشد لمحمد؛ لأنه بشره أو بشر عمه بنبوته، وليس بمعقول أن يؤمن رجل بهذه البشارة التي


(١) مناهل العرفان ٢/ ٣٠٦، ٣٠٧.
(٢) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>