للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختار الجلال السيوطي هذا الجواب وقال: هو أولى وأقعد من جواب ابن الأنباري، ولا يخفى عليك أن حمل كلام ابن عباس على ذلك لا يخلو عن بعد لما أن ما ذُكر خلاف ظاهر كلامه، وأيضًا ظن ابن عباس أولوية ما أجمع سائر الصحابة - رضي الله عنهم - على خلافه، مما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العرضة الأخيرة بعيد، وكأنهم رأوا أن التزام ذلك أهون من إنكار ثبوت الخبر عن ابن عباس مع تعدد طرقه وإخراج الضياء إياه في مختارته، ويشجع على هذا الإنكار اعتقاد جلالة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وثبوت الإجماع على تواتر خلاف ما يقتضيه ظاهر كلامه فتأمل (١).

[الوجه الثالث: أنه معارض للقاطع المتواتر.]

وهو قراءة: تستأنسوا، والقاعدة: أن معارض القاطع ساقط، وأن الرواية متى خالفت رسم المصحف فهي شاذة لا يلتفت إليها ولا يعول عليها. (٢)

واعلم أن هذا القول من ابن عباس فيه نظر؛ لأنه يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر، ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر، وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وأنه باطل (٣).

[الوجه الرابع: أن الصحابة أجمعوا على إطلاق لفظ الخطأ في الاجتهاد.]

فمن ذلك ما روي عن أبي بكر أنه قال: أقول في الكلالة برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان. ومن ذلك ما روي عن عمر أنه حكم بحكم فقال رجل حضره: هذا والله الحق. فقال عمر: إن عمر لا يدري أنه أصاب الحق لكنه لم يأل جهدًا. وروي عنه أنه قال لكاتبه: اكتب هذا ما رأى عمر فإن يكن خطأ فمنه، وإن يكن صوابًا فمن الله، وأيضًا قوله في جواب المرأة التي ردت عليه النهي عن المبالغة في المهر: أصابت امرأة وأخطأ عمر، ومن ذلك ما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال في المرأة التي استحضرها عمر فأجهضت ما


(١) روح المعاني للآلوسي ١٣/ ٣٩٥ - ٣٩٦، الإتقان للسيوطي ١/ ٥٤٣.
(٢) مناهل العرفان ١/ ٣٢٧.
(٣) تفسير الرازي ١١/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>