للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ محمد رشيد رضا: أما نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يكن يشرب الخمر في الجاهلية ولا في الإِسلام كما صرحوا به في سيرته. ولكنه كان يشرب النبيذ قبل تحريمها وبعده فإذا اشتبه في وصوله إلى حد الإسكار لم يشرب منه كما تقدم.

ويقول بعض النصارى: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شرب الخمر مع بحيرا الراهب وبعض الصحابة وأن بعض من سكر من الصحابة قتل الراهب بسيف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان ذلك سبب تحريم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للخمر.

وهذا قول مختلق لا أصل له البتة فلم يرو من طريق صحيح ولا ضعيف ولا موضوع وبحيرا الراهب لم يجيء الحجاز، إنما روي أنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع عمه أبي طالب وغيره من تجار مكة في بصرة بالشام، ولما اختبر حاله علم أن سيكون هو النبي الذي بشر به عيسى والأنبياء عليهم السلام، وأوصى به عمه وحذره من اليهود أن يكيدوا له.

وكانت سن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اثنتى عشرة سنة، ولم يثبت أن بحيرًا أدرك البعثة وليس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي حرم الخمر كما حرم صيد المدينة وخلاها، بل كان ذلك بوحي تدريجي كما تقدم (١).

وجملة القول: أنه لم يصح في هذا المعنى شيء على أنه يمكن حمل معناه على ما يوافق سائر النصوص وهو الإذن بشرب النبيذ (النقيع). إذا علم أنه لم يختمر فيصير مسكرًا لئلا يسكر به.

وأما حمل الأحاديث الكثيرة في تحريم كل مسكر وفي تسميته خمرًا على المسكر بالفعل فهو تحريف للغة وإفساد لها كما تقدم وإني لأتعجب كيف يقول عاقل أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمر الصحابة بأن يشربوا من المسكر وألا يسكروا.

هل يتيسر لواحد من ألف من الناس أن يشرب من المسكر ولا يسكر (٢).

الوجه التاسع: الرد على قولهم أن النبي محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ بالخمر.


(١) تفسير المنار (٧/ ٨٧ - ٨٨).
(٢) تفسير المنار (٧/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>