وقال ابن تيمية: وقول القائل: إن الضحك خفة روح ليس بصحيح، وإن كان ذلك قد يقارنه، ثم قول القائل: خفة الروح إن أراد به وصفًا مذمومًا فهذا يكون لما لا ينبغي أن يضحك منه وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال، وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه، والآخر لا يضحك قط كان الأول أكمل من الثاني، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ينظر إليكم الرب قنطين فيظل يضحك، يعلم أن فرجكم قريب، فقال له أبو رزين العقيلى: يا رسول الله أوَ يضحك الرب؟ قال: نعم. قال: لن نعدم من رب يضحك خيرا.
فجعل الأعرابي العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلًا على إحسانه وإنعامه؛ فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك، وقد قيل في اليوم الشديد العذاب إنه يومًا عبوسًا قمطريرًا، وقد رُوي أن الملائكة قالت لآدم: حياك الله وبياك أي أضحكك، والإنسان حيوان ناطق ضاحك، وما يميز الإنسان عن البهيمة صفة كمال، فكما أن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال، فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك، وإذا كان الضحك فينا مستلزمًا لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك، وذلك الأكثر مختص لا عام فليس حقيق الضحك مطلقًا مقرونة بالنقص، كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص، ووجودنا مقرون بالنقص، ولا يلزم أن يكون الرب مُوجِدًا، وأن لا تكون له ذات. (١)
[الوجه الثاني: ماذا في كتب النصارى حول ضحك الرب؟]
ففي كتابهم المقدس عندهم صفة الضحك للرب.
[١ - الرب يضحك يستهزئ بالناس]
كما جاء في المزامير (٢: ٤): السَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. الرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.