للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك، وكذلك تابع التابعين مع التابعين، هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث، كما يعلمون عدالة الصحابة، وصدقهم، وأمانتهم، ونقلهم ذلك عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -: كنقلهم الوضوء والغسل من الجنابة، وأعداد الصلوات وأوقاتها، ونقل الأذان والتشهد والجمعة والعيدين؛ فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أحاديث الصفات، فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها؛ جاز عليهم ذلك في نقل غيرها مما ذكرناه، وحينئذ فلا وثوق لنا بشيء نقل لنا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - البتة، وهذا انسلاخ من الدين والعقل والعلم (١).

[الوجه الرابع عشر]

ثم هب أن أحاديث الآحاد لا تفيد العلم واليقين؛ فهي تفيد الظن الغالب قطعا باتفاقهم.

قال ابن القيم: ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها، كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها، فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر، بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر؟ ! وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة؛ فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته، فأين سلف المفرقين بين البابين؟ ! . (٢)

الوجه الخامس عشر:


(١) مختصر الصواعق (٥٦٩).
(٢) المصدر السابق (٥٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>