للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا}؟

الوجه الثالث: بيان معنى الكلمة في قوله: {وَكَلِمَتُهُ}.

المعنى الأول: أنها كلمة التكوين وهى كلمة (كن).

والمعنى: أنه وجد بكلمة الله وأمره من غير واسطة ولا نطفة كما قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)} [آل عمران: ٥٩].

والعرب تسمى الشيء باسم الشيء إذا كان صادرًا عنه (١).

وبه قال قتادة (٢). وشَاذُّ بْنُ يَحْيَى قال: ليس الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى (٣).

قَالَ الْهَرَوِيُّ: سُمِّيَ كَلِمَة؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ الْكَلِمَة فَسُمِّيَ بِهَا كَمَا يُقَال لِلْمَطَرِ: رَحْمَة (٤).

فسماه الله - عز وجل - كلمته؛ لأنه كان عن كلمته كما يقال لما قدر الله من شيء: هذا قدر الله وقضاؤه يعني به: هذا عن قدر الله وقضائه حدث، وكما قال جل ثناؤه: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)} [النساء: ٤٧، الأحزاب: ٣٧] يعني به: ما أمر الله به وهو المأمور به الذي كان عن أمر الله - عز وجل - (٥).

فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كن) فكان عيسى - صلى الله عليه وسلم - بكن، فعيسى ليس هو الكن ولكن بالكن كان، فالكن من الله قول وليس الكن مخلوقًا، وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى، وذلك أن الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمته إلا أن كلمته مخلوقة. وقالت النصارى: عيسى روح الله من ذات الله وكلمة الله من ذات الله كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب؟


(١) البغوي (١/ ٥٠٢)، الكشاف (١/ ٥٩٣)، المحرر الوجيز (٢/ ١٣٩).
(٢) إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في التفسير (٦٥٨)، ومن طريقه ابن أبي حاتم في التفسير (٦٣٠٩)، وأخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (٢٠).
(٣) إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (٦٣١٠).
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ٢٦٣).
(٥) تفسير الطبري (٣/ ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>